الأربعاء، فبراير 08، 2012

الدولة الوطنية الديمقراطية وخيار العلمانية

الدولة الوطنية الديمقراطية وخيار العلمانية

د. حبيبي أبوطارق

الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة وخيار العلمانية : ونحن نطرح خيار العلمانية فإننا نؤكد على أنها ليست إيديولوجية من الإيديولوجيات يمكن وصمها بوصمة الكفر أو الإيمان أو الشمولية أو الواحدية، إنها مناخ علائقي اجتماعي منفتح ومتطور سمته الأساسية إعمال العقل في تفهم الظواهر وفي التعامل مع المعطيات المحيطة بالإنسان وفق عمليات عقلية تطلق سراح التفكير والتعبير بكافة صوره وفي مختلف مجالاته بعيدا عن التشويهات الإيديولوجية التي تتحزب لإغلاق العقل وكبح جماح التفكير... حيث يمكن أن تتعايش ضمن هذا المناخ كل الإيديولوجيات والأفكار والتصورات والعقائد والنزعات... إذن فالعلمانية خيار اجتماعي تتطلبه المرحلة التاريخية والحاجة الموضوعية للخروج من مأزق الفشل السياسي في بناء الدولة الحديثة الديمقراطية وتحقيق أسس التحول الاجتماعي من عدل ومساواة وتنمية وتقدم وحل مشكلات التعصب ومشاكل التواكل والتخلف وما يتمخض عنها من نتائج وخيمة. فالعلمانية أولا مطلب تقتضيه الحاجة للحداثة والديمقراطية، لأن كل المعيقات والعراقيل التي عرفتها بلادنا وعاشها شعبنا وما حصل بسببها من قمع وكبح واجتثاث للحريات وتخريب وفرملة لدينامية المجتمع طيلة سنوات الرصاص تلك التي لا نضمن عدم عودتها، كانت بسبب محاربة العلمانية والديمقراطية... فالدولة العلمانية الديمقراطية هي هدف كان مطروحا ضمنيا بين بعض المثقفين الأفراد، ولكنه الآن أصبح ضرورة اجتماعية مطروحة بقوة، لارتباطه بمسألة إعادة بناء الدولة على أسس حديثة وبالتأسيس دستوريا لنظام سياسي ديمقراطي يقوم على أسس حداثية تبدأ من إقرار المواطنة (أي المساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس الدين أو الطائفة أو الإثنية)، وفصل السلطات واستقلال القضاء وتحديث المؤسسات والإدارة. نظام مبني على الحريات والانتخابات... ولكن أيضاً وأساسا على فصل الدين عن الدولة، ورفض التمييز بين المواطنين على أساس ديني أو طائفي أو اثني، مع الحق في ممارسة المعتقدات الدينية... ووضع أسس حديثة للدولة تجعل مبدأ المواطنة بديلا لقولة الرعية، والمواطنين بديلا للرعايا، ومبدأ الانتماء للوطن والأمة بديلا للانتماء للمذهب أو الطائفة أو الملة، والتأسيس دستوريا لدولة يقودها قائد من اختيار الشعب سواء أكان ملكا أو رئيسا... بديلا لإمارة المؤمنين أو الحكم باسم الدين، لأن الحاكم هو لكل المواطنين وليس لفئة أو طائفة أو ملة أو دين... وإحلال التعاقد والمصداقية والمشروعية محل الأعراف من بيعة وأساليب عتيقة للحكم... وتكريس إرادة الشعب فوق أي إرادة مهما كان سموها أو تعاليها. وتحقيق نظام سياسي يكون فيه الشعب مصدرا للسلطات... وجعل الدولة ومؤسساتها من مدرسة وإعلام وعدالة بمنأى عن الإيديولوجية القرسطوية، وما أنتجته وتنتجه من إرهاب يتخفى وراء حجب من ظلام تضطرب له الرؤية. وخيار العلمانية ثانيا مطلب تاريخي ضروري، نتيجة ما أصبح يكتسيه "التدخل الديني" في الصراع السياسي من سيطرة وهيمنة، حيث يستولي أحد طرفي الصراع السياسي على الإيمان ويحوله إيديولوجية دينية للتضليل والمخادعة، وقوة قهرية للاستيلاء على المؤسسات الثقافية والتربوية والإعلامية ممتلكا الحق في مهاجمة الآخر دون أن يكون للآخر الحق في الرد. وهكذا يستغل النظام المخزني من جهته ما توفره له القدسية من إمكانيات، وتستغل الأحزاب والتنظيمات ذات الإيديولوجية الدينية من جهتها ما تستطيع تأويله والسيطرة عليه من مخزون المعتقد الشعبي وتربط حضورها التنظيمي بهذا المعتقد حيث يصبح أداة للصراع ضد كل الأحزاب والحركات المدنية على أنها كافرة وعميلة... جاعلة من الدين عقيدة سياسية وتشريعية، تستقوي بها لأجل تحقيق السيطرة على المجتمع وتحقيق أهدافها الانقلابية... والعلمانية باعتبارها مناخ اجتماعي عام حيث تتعايش مختلف الإيديولوجيات والديانات ضمن الوطن الوحيد يكون فيه الدين لله والوطن للجميع، ويمكن في المرحلة الانتقالية في بناء الدولة الديمقراطية الوطنية وفي إطار التعاقد بين المجتمع والدولة وإنهاء لأي سيطرة على العقيدة والإيمان تدبر شؤون الديانات من طرف مؤسسة تابعة لرئاسة الدولة والحكومة وتحت إشرافها وبالضرورة والالتزام يفصل الدين عن الأحزاب وعن الاستعمال الإيديولوجي السياسي... ويصبح شأناً شخصياً مصاناً في القانون. إن مطلب العلمانية تقتضيه ضرورة التحول والانتقال إلى مجتمع مدني حديث... العلمانية إذن نقلة، أو قطيعة بين عهدين، عهد من التخلف والظلم والمصادرة والاستعباد وعهد بناء الدولة الديمقراطية دولة الحق والقانون ( العلمانية هي فعل القطيعة مع الدور السياسي الأيديولوجي للدين وليس مع الدين ). وليس من الممكن الانتقال إلى الحداثة وإلى العلم دون تحقيق هذه القطيعة، وبالتالي تأسيس دولة ديمقراطية.

ليست هناك تعليقات: